فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال مقيده عفا الله عنه: وجه هذا الاستنباط أنا لحال قيد لعاملها، وصف لصاحبها. وعليه فبعثه مقيد بكونه حيًا، وتلك حياة الشهداء، وليس بظاهر كل الظهور. والله تعالى أعلم.
هذا هو حاصل ما ذكره الله تعالى في هذه السورة الكريمة من صفات يحيى، وذكر بعض صفاته في غير هذا الموضع، كقوله في (آل عمران): {فَنَادَتْهُ الملائكة وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المحراب أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بيحيى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصالحين} [آل عمران: 39] ومعنى كونه {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله} أنه مصدق بعيسى، وإنما قيل لعيس كلمة لأنه الله أوجده بكلمة هي قوله: «كن» فكان، كما قال تعالى: {إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ} [النساء: 171] الآية. وقال: {إِذْ قَالَتِ الملائكة يامريم إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ} [آل عمران: 45] الآية. وهذا هو قول جمهور المفسرين في معنى قوله تعالى: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ الله} وقيل: المراد بكلمة الكتاب، أي مصدقًا بكتاب الله. والكلمة في القرآن تطلق على الكلام المفيد، كقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحسنى} [الأعراف: 137]، وقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115]، وقوله: {كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا} [المؤمنون: 100] إلى غير ذلك من الآيات، وباقي الأقوال: تركناه لظهور ضعفه. والصواب إن شاء الله هو ما ذكرنا. وقوله: {وسيدًا} وزن السيد بالميزان الصرفي فيعل وأصل مادته (س ود) سكنت ياء الفعيل الزائدة قبل الواو التي هي في موضع العين، فأبدلت الواو ياء عن القاعدة التصريفية المشار لها بقوله في الخلاصة:
إن يسكن السابق من واو ويا

البيتين المتقدمين آنفًا. وأصله من السواد وهو الخلق الكثير. فالسيد من يطيعهن ويتبعه سواد كثير من الناس. والدليل على أن عين المادة واو أنك تقول فيه: ساد يسود بالواو، وتقول سودوه إذا جعلوه سيدًا. والتضعيف يرد العين إلى أصلها، ومنه قول عامر بن الطفيل العامري:
وإني وإن كنت ابن سيد عامر ** وفارسها المشهور في كل موكب

فما سودتني عامر عن وراثة ** أبى الله أن أسمو بأم ولا أب

وقال الآخر:
وإن بقوم سودوك لحاجة ** إلى سيد لو يظفرون بسيد

وشهرة مثل ذلك تكفي عن بيانه. والآية فيها دليل على إطلاق السيد على من ساد من الناس، وقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال في الحسن بن علي رضي الله عنهما «إن ابني هذا سيد» الحديث. وأنه صلى الله عليه وسلم لما جاء يعد بن معاذ رضي الله عنه للحكم في بني قريظة قال صلى الله عليه وسلم: «قوموا لسيدكم» والتحقيق في معنى قوله: {حصورًا} أنه الذي حصر نفسه عن النساء مع القدرة على إتيانهن تبتلًا منه، وانقطاعًا لعبادة الله. وكان ذلك جائزًا في شرعه. وأما سنة النَّبي صلى الله عليه وسلم فهي التزوج وعدم التبتل. أما قول من قال: إن الحصور فعول بمعنى مفعول وأنه محصور عن النساء لأنه عنين لا يقدر على إتيانهن- فليس بصحيح، لأنه العنة عيب ونقص في الرجال، وليست من فعله حتى يثنى عليه بها. فالصواب إن شاء الله هو ما ذكرنا، واختاره غير واحد من العلماء. وقول من قال: إن الحصور هو الذي لا يدخل مع القوم في الميسر كما قال الأخطل:
وشارب مربح بالكأس نادمني ** لا بالحصور ولا فيها بسوار

قول ليس بالصواب في معنى الآية. بل معناها هو ما ذكرا وإن كان إطلاق الحصور على ذلك صحيحًا لغة. وقوله: {ونبيئًا} على قراءة نافع بالهمزة معناه واضح، وهو فعيل بمعنى مفعول، من النبأ وهو الخبر الذي له شأن، لأن الوحي خبر له شأن يخبره الله به. وعلى قراءة الجمهور بالياء المشددة فقال بعض العلماء: معناه كمعنى قراءة نافع، إلا أن العمزة أبدبت ياء وأدغمت فيها للياء التي قبلها. وعلى هذا فهو كالقراءتين السبعيتين في قوله: {إِنَّمَا النسياء زِيَادَةٌ فِي الكفر} [التوبة: 37] بالهمزة وتشيد الياء. وقال بعض العلماء: هو على قراءة الجمهور من النبوة بمعنى الارتفاع لرفعة النَّبي وشرفه. والصالحون: هم الذن صلحت عقائدهم، وأعمالهم. وأقوالهم، ونياتهم، والصلاح ضد الفساد. وقد وصف الله تعالى يحيى بالصلاح مع من وصف بذلك من الأنبياء في سورة (الأنعام) في قوله: {وَزَكَرِيَّا ويحيى وعيسى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصالحين} [الأنعام: 85]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)}.
أراد نصب علامة على وقوع الحمل بالغلام، لأنّ البشارة لم تعيّن زمنًا، وقد يتأخر الموعود به لحكمة، فأراد زكرياء أن يعلم وقت الموعود به.
وفي هذا الاستعجال تعريض بطلب المبادرة به، ولذلك حذف متعلّق {ءَايَةً}.
وإضافة {ءَايَتُكَ} على معنى اللاّم، أي آية لك، أي جعلنا علامة لك.
ومعنى {ألاَّ تُكَلِّم النَّاسَ} أن لا تقدر على الكلام، لأنّ ذلك هو المناسب لكونه آية من قِبَل الله تعالى.
وليس المراد نهيَه عن كلام الناس، إذ لا مناسبة في ذلك للكون آية. وقد قدمنا تحقيق ذلك في سورة آل عمران. وجعلت مدة انتفاء تكليمه الناس هنا ثلاث ليال، وجعلت في سورة آل عمران ثلاثة أيام فعلم أنّ المراد هنا ليال بأيامها وأنّ المراد في آل عمران أيام بلياليها.
وأُكد ذلك هنا بوصفها ب {سَوِيًّا} أي ثلاث ليال كاملة، أي بأيامها. وسويّ: فعيل بمعنى مفعول، يستوي الوصف به الواحد والواحدة والمتعدد منهما. وفسر أيضًا {سَوِيًّا} بأنه حال من ضمير المخاطب، أي حال كونك سويًا، أي بدون عاهة الخَرَس والبكَم، ولكنّها آية لك اقتضتها الحكمة التي بيّناها في سورة آل عمران. وعلى هذا فذكر الوصف لمجرد تأكيد الطمأنينة، وإلا فإن تأجيله بثلاث ليال كاف في الاطمئنان على انتفاء العاهة.
{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)}.
الظاهر أن المعنى أنه خرج على قومه ليصلي على عادته، فكان في محرابه في صلاة خاصة ودعاء خفي، ثم خرج لصلاة الجماعة إذ هو الحبر الأعظم لهم.
وضمن خرج معنى طلع فعدي بعلى كقوله تعالى: {فخرج على قومه في زينته} [القصص: 79].
والمحراب: بيت أو محتجر يُخصص للعبادة الخاصة.
قال الحريري: فمحرَابيَ أحْرَى بي.
والوحي: الإشارة بالعين أو بغيرها، والإيماء لإفادة معنى شأنُه أن يفاد بالكلام.
و أن تفسيرية.
وجملة {سبّحوا بكرة وعشِيًّا} تفسير (لأَوْحى)، لأن (أوحى) فيه معنى القول دون حروفه.
وإنما أمرهم بالتسبيح لئلا يحسبوا أن زكرياء لما لم يكلمهم قد نذر صمتًا فيقتدوا به فيصمتوا، وكان الصمت من صنوف العبادة في الأمم السالفة، كما سيأتي في قوله تعالى: {فقولي إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيًا} [مريم: 26].
فأومأ إليهم أن يشرعوا فيما اعتادوه من التسبيح؛ أو أراد أن يسبحوا الله تسبيح شكر على أن وهب نبيئهم ابنًا يرث علمه، ولعلهم كانوا علموا ترقبه استجابه دعوته، أو أنه أمرهم بذلك أمرًا مبهمًا يفسره عندما تزول حبْسة لسانه.
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)}.
مقول قول محذوف، بقرينة أن هذا الكلام خطاب ليحيى، فلا محالة أنه صادر من قائل، ولا يناسب إلاّ أن يكون قولًا من الله تعالى، وهو انتقال من البشارة به إلى نبوءته. والأظهر أنّ هذا من إخبار القرآن للأمة لا من حكاية ما قيل لزكرياء. فهذا ابتداء ذكر فضائل يحيى. وطوي ما بين ذلك لعدم تعلق الغرض به. والسياق يدلّ عليه. والتقدير: قلنا يا يحيى خذ الكتاب. والكتاب: التوراة لا محالة، إذ لم يكن ليحيى كتاب منزّل عليه. والأخذ: مستعار للتفهم والتدبر، كما يقال: أخذت العلم عن فلان، لأنّ المعتني بالشيء يشبه الآخذ. والقوة: المراد بها قوّة معنوية، وهي العزيمة والثّبات. والباء للملابسة، أي أخذا ملابسًا للثبات على الكتاب، أي على العمل به وحَمْل الأمّة على اتباعه، فقد أخذ الوهن يتطرق إلى الأمة اليهودية في العمل بدينها. و{ءَاتيناه} عطف على جملة القول المحذوفة، أي قلنا: يا يحيى خذ الكتاب وآتيناه الحكم. والحُكم: اسم للحكمة. وقد تقدم معناها في قوله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا} في سورة البقرة (269). والمراد بها النّبوءة، كما تقدم في قوله تعالى: {ولما بلغ أشده آتيناه حكمًا وعلمًا} في سورة يوسف (22)، فيكون هذا خصوصية ليحيى أن أوتي النبوءة في حال صباه. وقيل: الحكم هو الحكمة والفهم. و{صَبِيًّا} حال من الضمير المنصوب في {وءاتيناه}. وهذا يقتضي أن الله أعطاه استقامة الفكر وإدراك الحقائق في حال الصبا على غير المعتاد، كما أعطى نبيئه محمدًا صلى الله عليه وسلم الاستقامة وإصابة الرأي في صباه.
ويبعد أن يكون يحيى أُعطي النبوءة وهو صبي، لأن النبوءة رتبة عظيمة فإنما تعطى عند بلوغ الأشُدّ.
واتفق العلماء على أن يحيى أعطِي النبوءة قبل بلوغ الأربعين سنة بكثير. ولعل الله لما أراد أن يكون شهيدًا في مقتبل عمره باكره بالنبوءة. والحَنان: الشفقة. ومن صفات الله تعالى الحنان. ومن كلام العرب: حنانيك، أي حنانًا منك بعد حنان. وجُعل حنان يحيى من لَدن الله إشارة إلى أنه متجاوز المعتاد بين الناس. والزكاة: زكاة النفس ونقاؤها من الخبائث، كما في قوله تعالى: {فقل هل لك إلى أن تزكى} [النازعات: 18] أو أُريد بها البركة. وتقي: فعيل بمعنى مُفعل، من اتّقى إذا اتّصف بالتقوى، وهي تجنب ما يخالف الدّين. وجيء في وصفه بالتقوى بفعل {كَانَ تَقِيًّا} للدلالة على تمكنه من الوصف. وكذلك عطف بروره بوالديه على كونه تقيًا للدلالة على تمكنه من هذا الوصف. والبرور: الإكرام والسعي في الطاعة. والبَرّ بفتح الباء وصف على وزن المصدر، فالوصف به مبالغة. وأما البِر بكسر الباء فهو اسم مصدر لعدم جريه على القياس. والجبّار: المستخف بحقوق الناس، كأنه مشتق من الجبر، وهو القسر والغصب. لأنّه يغصب حقوق النّاس. والعصيّ: فعيل من أمثلة المبالغة، أي شديد العصيان، والمبالغة منصرفة إلى النفي لا إلى المنفيّ. أي لم يكن عاصيًا بالمرة.
{وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)}.
الأظهر أنه عطف على {وءاتيناه الحكم صبيًا} [مريم: 12] مخاطبًا به المسلمون ليعلموا كرامة يحيى عند الله. والسلام: اسم للكلام الذي يفاتح به الزائر والراحل فيه ثناء أو دعاء. وسمي ذلك سلامًا لأنه يشتمل على الدعاء بالسلامة ولأنه يؤذن بأن الذي أقدم هو عليه مسالم له لا يخشى منه بأسًا. فالمراد هنا سلام من الله عليه، وهو ثناء الله عليه، كقوله: {سلام قولًا من رب رحيم} [يس: 58]. فإذا عرّف السلام باللام فالمراد به مثل المراد بالمنكّر أو مراد به العهد، أي سلام إليه، كما سيأتي في السلام على عيسى. فالمعنى: أن إكرام الله متمكن من أحواله الثلاثة المذكورة. وهذه الأحوال الثلاثة المذكورة هنا أحوال ابتداءِ أطوار: طور الورود على الدنيا، وطور الارتحال عنها، وطور الورود على الآخرة. وهذا كناية على أنه بمحل العناية الإلهية في هذه الأحوال. والمراد باليوم مطلق الزمان الواقع فيه تلك الأحوال. وجيء بالفعل المضارع في {ويوم يموت} لاستحضار الحالة التي مات فيها، ولم تذكر قصة قتله في القرآن إلاّ إجمالًا. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً}.
(آية) أي: علامة على أن امرأته قد حملتْ في يحيى، وكأن زكريا عليه السلام يتعجل الأمور ولا صبرَ له طوال تسعة أشهر، بل يريد أن يعيش في ظِلِّ هذه النعمة، وكأنها واقع لا ينفكّ لسانه حامدًا شاكرًا عليها، وتظل النعمة في باله رغم أن ولده ما يزال جنينًا في بطن أمه.
فيجيبه ربه: {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] علامتك أَلاَّ تُكَلِّم الناس ثلاث ليال و(أَلاَّ) ليست للنهي عن الكلام، بل هي إخبار عن حالة ستحدث له دون إرادته، فلا يكلم الناس مع سلامة جوارحه ودون عِلَّة تمنعه من الكلام، كخرس أو غيره.
لذلك قال: {ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] أي: سليمًا مُعاَفىً، سويّ التكوين، لا نقص فيك، ولا قصور في جارحة من جوارحك. وهكذا لا يكون عدم الكلام عَيْبًا، بل آية من آيات الله.
وهناك فَرْق بين أمر كونيٍّ وأمر شرعي، الأمر الكونيُّ هو ما يكون وليس لك فيه اختيار في ألاَّ يكون، والأمر الشرعيّ ما لك فيه اختيار من الممكن أن تطعيه فتكون طائعًا، أو تعصيه فتكون عاصيًا.
وهذا الذي حدث لزكريا أمر كوني، وآية من الله لا اختيار له فيها، وكأن الحق سبحانه يعطينا الدليل على أنه يوجد مِنْ لا مظنّة أسباب، وقد يبقي الأسباب سليمة صالحة ولا يظهر المسبِّب، فاللسان هنا موجود، وآلات النطق سليمة، ولكنه لا يقدر على الكلام.
فتأمل طلاقة القدرة، فقد شاء سبحانه لزكريا الولد بغير أسباب، وهنا منع مع وجود الأسباب، فكلا الآيتين سواء في قدرته تعالى ومشيئته.
ثم يقول الحق سبحانه: {فَخَرَجَ على قَوْمِهِ}.
إذن: حدثتْ هذه المسألة لزكريا وهو في (المحرَابِ) أي: مكان العبادة والصلاة، وعادةً ما يكون مرتفعًا على شرف عما حوله، وكان مصلى الأنبياء والصالحين، وسُمي محرابًا لأنه يحارب فيه الشيطان بكيْده ووسوسته. وقد ذُكر المحراب أيضًا في قصة داود عليه السلام: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب} [ص: 21].
وقد وردتْ هذه اللقطة من قصة زكريا عليه السلام في آية أخرى دَلَّتْ أيضًا على أن البشارة بيحيى كانت وهو في محرابه، حيث قال تعالى: {فَنَادَتْهُ الملائكة وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المحراب أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بيحيى مُصَدِّقًا} [آل عمران: 39].
وقوله تعالى: {فأوحى إِلَيْهِمْ} [مريم: 11] قلنا: إن الوَحْي له معنى لُغَويّ ومعنى شرعي، الوحي لُغةً: الإخبار بطريق خفيٍّ. وعلى هذا المعنى يأتي الوحي بطرق متعددة، فالله تعالى يُوحِي للرسل والأنبياء، ويُوحي لغير الرسل من المصطفين، كما في قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَآ إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7] أي: أخبرها بطريق خفيٍّ، هو طريق الإلهام.